وصايا الدفن خارج السويد ما بين الانتماء الروحي والإجراءات القانونية

من وصايا الدفن خارج السويد وخاصة عند وفاة مسلم في السويد، تظهر أحيانًا رغبة أو وصية خاصة تقضي بنقل جثمانه ليدفن خارج البلاد، في موطنه الأصلي أو في موقع مقدّس يرتبط بجذوره الدينية والثقافية. هذا الأمر لا يُعدّ غريبًا بين أفراد الجاليات المسلمة، خاصة الجالية العراقية، حيث يفضّل البعض الدفن في مقبرة وادي السلام بمدينة النجف الأشرف، لما تحمله من قيمة دينية وتاريخية. كما يختار آخرون الدفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، قرب قبر النبي محمد ﷺ.
هذه الرغبات تعكس تمسّكًا عاطفيًا عميقًا بالهوية والانتماء، وتؤكد أن سنوات الغربة لا تُلغي الارتباط بالأرض الأم أو المقدّسات، بل تُعزّز الإحساس بضرورة العودة إليها ولو بعد الموت. كما تطرح تساؤلات مهمة حول الجوانب الشرعية والقانونية المتعلقة بتنفيذ هذه الوصايا.
الرأي الشرعي في الدفن خارج بلد الوفاة
من الناحية الدينية، يوضح الشيخ عطا الشحات، إمام الوقف الإسكندنافي في مدينة مالمو، أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن يُدفن المسلم في المكان الذي توفي فيه، خصوصًا إذا توفرت فيه مقابر للمسلمين. ويستند في رأيه إلى أن النبي محمد ﷺ وأصحابه دُفنوا في الأماكن التي ماتوا فيها دون نقل جثامينهم إلى أوطانهم الأصلية.
مع ذلك، يشير إلى أن الأمر في النهاية يرجع إلى وصية المتوفى ورغبة أهله، ما دام ذلك لا يُخالف الشريعة ولا يُعرقل الإجراءات القانونية.
من جهته، يؤكد الشيخ أبو نور السماوي، إمام مصلى الإمام الحسين في مالمو، أن تنفيذ وصية المتوفى واجب شرعي، وإذا لم توجد وصية، فإن القرار يُترك للورثة، وخاصة الابن الأكبر. كما يشير إلى أن الشريعة توصي بدفن المسلم في مقابر المسلمين متى توفرت، دون تدخل مباشر من المؤسسات الدينية أو القانونية في القرار النهائي.
المقابر الإسلامية في السويد: توزيع وواقع فعلي
رغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة بعدد المقابر الإسلامية في السويد، إلا أن عدة بلديات كبرى مثل ستوكهولم، غوتنبرغ، مالمو وأوبسالا خصّصت أقسامًا خاصة للمسلمين ضمن مقابرها العامة. غير أن بعض البلديات الصغيرة التي شهدت تزايدًا في عدد المسلمين مؤخرًا قد تعاني من نقص في المساحات المخصصة، ما يدفعها أحيانًا للتعاون مع مقابر في مدن أخرى.
وفي هذا السياق، اقترحت الكنيسة السويدية تطوير سياسات تضمن احترام متطلبات الدفن لغير المسيحيين، بما في ذلك المسلمين، من خلال توفير أماكن مناسبة وتهيئة المراسم بحسب العقيدة.
القانون السويدي والدفن وفق المعتقد الديني
وفقًا لقانون الدفن السويدي (Begravningslag 1990:1144)، يجب على الجهة المسؤولة عن المقابر – وغالبًا ما تكون الكنيسة السويدية – أن تتيح أقسامًا خاصة للأشخاص من غير الديانة المسيحية، بالتنسيق مع ممثلي الطوائف المعنية.
كما يحق للفرد أو عائلته طلب الدفن في بلدية مجاورة في حال عدم توفّر أماكن مناسبة في منطقته الأصلية. هذا البند القانوني يُعتبر مهمًا لحماية حرية المعتقد وضمان احترام الطقوس الجنائزية للمسلمين وغيرهم.
إجراءات نقل الجثمان إلى خارج السويد
عند وجود وصية تنص على الدفن في الخارج، تبدأ العملية بجمع الأوراق الرسمية من السلطات الصحية السويدية، وهي تشمل:
-
تقرير سبب الوفاة
-
شهادة الوفاة الرسمية
-
شهادة تثبت خلو المتوفى من الأمراض المعدية
بعد ذلك، يتم إصدار “جواز سفر للمتوفى” من مصلحة الضرائب السويدية، وهو مستند ضروري لتسهيل نقله عبر الحدود. يجب أن يكون هناك أيضًا شخص مستلم للجثمان في الدولة المقصودة، سواء من أفراد الأسرة أو شركة جنازات معتمدة.
من الناحية اللوجستية، تعتمد أغلب شركات الطيران على استخدام تابوت مزدوج: تابوت داخلي من الزنك محكم الإغلاق، يوضع داخل تابوت خشبي خارجي وفقًا للمعايير الدولية.
عملية النقل قد تستغرق عدة أيام وحتى أسبوع، وتشمل التنسيق بين المستشفى والجهات السويدية، والسفارات أو القنصليات، وشركة الشحن الجوي، بالإضافة إلى الجهة المستلمة في البلد المستهدف. كما يجب الإشارة إلى أن التكاليف قد تكون مرتفعة، وتعتمد على الوزن والمسافة وطبيعة الإجراءات.
ما بين الحق القانوني والانتماء الروحي
الرغبة في أن يُدفن المسلم في بلده الأصلي أو في مكان مقدّس ليست مجرد قرار لوجستي، بل تعبير عميق عن الهوية والانتماء والارتباط الروحي بالجذور. وفي السويد، رغم التحديات، يُتاح تنفيذ هذه الرغبات ضمن إطار قانوني وإنساني يحترم العقائد والمعتقدات.
من المهم توثيق مثل هذه الرغبات في وصية رسمية لتفادي الإشكالات القانونية وتيسير الإجراءات لعائلة المتوفى، وتسهيل نقل الجثمان أو دفنه وفقًا لتعاليم الدين ووصية الراحل حسب وصايا الدفن خارج السويد.